الرئيسية 8 الأخبار 8 الاخبار العربية 8 شهادات مروّعة في دارفور.. اغتصابات جماعية وتنكّر إنساني بعد سقوط الفاشر

شهادات مروّعة في دارفور.. اغتصابات جماعية وتنكّر إنساني بعد سقوط الفاشر

في قلب إقليم دارفور السوداني، وعلى أطراف مدينة الفاشر التي كانت حتى وقت قريب حصناً للمدنيين والنازحين، تفلتت موازين الحُكم وإضفاء الحماية، سقوط المدينة بيد قوات الدعم السريع أثار موجة من الرعب والانتهاكات الواسعة التي لم ترْقَ إلى عناوين الحرب وحدها، بل تجاوزتها إلى ما يصفه العارفون بـ«حصار جديد للضمير الإنساني»، شهادات ناجيات، وتقارير أممية، وأرقام مروّعة وثّقتها منظمات حقوقية، جميعها تُشير إلى أن ما حصل لم يكن مجرد تشظٍ أمني، بل حملة سيطرة قائمة على العنف الجنسي الجماعي والتنكيل بالعائلات.

السياق التاريخي واللحظة الفارقة

بعد حصار دام نحو 18 شهراً، سقطت مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، في أواخر أكتوبر 2025م في يد قوات «الدعم السريع».

هذا الانهيار المفاجئ حوّل المدينة والمداخِل إلى مسارح فوضوية للانتهاك، حيث قُدّرت حالات اغتصاب جماعيّة بأعداد كبيرة، تراوحت التقارير بين 150 إلى أكثر من 300 امرأة خلال الأيام الأولى لسيطرة القوات.

هذا المشهد لا يمكن فصله عن سياق دارفور الممتدّ منذ أعوام، حيث وثّق تقرير بريطاني حكومي وقوع 262 حالة اغتصاب منذ أبريل حتى أغسطس 2023 وحدها.

الأرقام والتقارير.. ماذا تقول؟

من الأرقام الرسمية ما أفاد به مكتب العنف ضد المرأة في السودان، الذي وثّق 1138 حالة اغتصاب في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بين أبريل 2023 وفبراير 2025م، منها 193 متعلق بفتيات قاصرات.

في شمال دارفور، سجلت حكومة الولاية ما يزيد على 100 حالة منذ مطلع عام 2024م حتى منتصف مارس، منها 118 حالة في الولاية فقط.

تقارير ميدانيّة أشارت إلى أن النساء والفتيات رُكّزن تحديداً في مسارات فرارهم من الفاشر إلى تاويلا، حيث قال أحد الناجين: «الاغتصاب الجماعي جرى في العلن، لا يستطيع أحد أن يقف في وجهه».

مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حذّر من أن الانتهاكات –التي تشمل الإعدام الميداني والاغتصاب المنهجي– قد تشكّل جرائم ضدّ الإنسانية.

الشهادات الحيّة.. ما بين الألم والصمت

تروي أمّ تدعى «أميرة» كيف تستيقظ كل صباح وهي تهتزّ من رعب ذاك المشهد: «ما رأيته لا يُنسى، نساء وبنات يُختطفن على الطريق، يُفترَض أن يقفن تحت تهديد الأسلحة، ويُهزمن في صمت».

في بلدة غَرني قرب الفاشر، شُهد قيام مقاتلي «الدعم السريع» بانتقاء النساء والفتيات وإخضاعهن لاغتصاب جماعيّ أمام ذويهن.

هذه الشهادات، رغم صعوبة التحقق الكامل من كل تفاصيلها، تكرّرت لدى عدد من الجهات الحقوقية؛ ما يعزّز مصداقيتها ويشي بأن هذا العنف ليس عرضيًا بل منظّمًا.

البُعد الجنسي كأداة حرب

ما يميّز ما جرى بعد سقوط الفاشر هو ما وصفه خبراء الأمم المتحدة بأن «العنف الجنسي البنيوي»؛ أي اغتيال كرامة النساء، وسيلة للسيطرة على المجتمع، ومحاولة لتدمير الأنسجة الاجتماعية التي تربطه.

استخدام الاغتصاب كوسيلة لقهر جماعي ليس جديدًا في دارفور، لكن تكراره بهذه الكثافة وفي سياق سقوط مدينة رئيسة يعطيه دلالة إستراتيجية، وتقارير تذكر أن المهاجمين كانوا يفصلون الرجال عن النساء ويستهدفون النساء وحدهن؛ ما يشير إلى نمط يخضع لأوامر مباشرة أو غياب كامل للمساءلة.

المسؤولية الدولية والنظر القانوني

بصوتٍ مدوٍّ، حذّر المفوض السامي لحقوق الإنسان من أن ما يحدث في الفاشر قد يرقى إلى جرائم بموجب القانون الدولي.

ومنظمات مثل العفو الدولية وصفت التقارير بأنها «مروّعة، ويجب محاسبة كل من ارتكبها أو أمر بها».

لكن الواقع يشير إلى تردّد دولي في تدخل فعلي، رغم دعوات عاجلة لفتح ممرات إنسانية ووصول جماعي للمساعدات، بينما تستمر القوات في فرض حصار شبه مطلق على المدنيين، هذه الحالة تعيد إلى الأذهان فصول العنف التي شهدتها دارفور في أوائل الألفينيات؛ ما دفع محللين إلى تحذير من عودة «كارثة إنسانية بالغة الأبعاد».

تداعيات إنسانية وثقافية

للاغتصاب الجماعي أثر مدمر يتجاوز اللحظة؛ فقدانه للكرامة، والوصمة الاجتماعية، والخوف المستمر من الانتقام أو انتشار الأمراض، كذا، فانهيار النسيج المجتمعي، وتهجير النساء والأطفال، كلها عناصر تُسرّع انهيار أُسِس الحياة في الفاشر وما حولها، اليوم، النساء المرضى بالنزوح يعشن في مخيّمات «تاويلا» وغيرها، يتعرّضن لتكرار العنف وتقاسم الذكريات مع أطفالهنّ، بالنتيجة، تتحوّل المناطق إلى ساحة للصدمة الجماعية، وتصبح الآثار النفسية والاجتماعية إرثًا يعانيه الجيل القادم.

ما المطلوب والمستجيب؟

  • محاسبة فورية: فتح تحقيق مستقل دولي ومحلي، وتقديم المسؤولين إلى العدالة.
  • إيقاف العنف الجنسي كأداة حرب: تفعيل آليات حماية للنساء والفتيات وتعزيز فرق الاستجابة السريعة.
  • وصول إنساني فعلي: رفع الحصار عن الفاشر وتوفير ممرات آمنة، والإسراع بإغاثة النازحين.
  • تعافٍ نفسي ومجتمعي: برامج علاج نفسي للناجيات، وإعادة تأهيل اجتماعي لمن تضرّرن، مع رفع الوصمة.
  • رصد دولي مستمر: دعم الآليات الدولية لرصد جرائم الحرب وضمان التوثيق الدقيق.

ما يجري في الفاشر ليس فقط فصلاً مؤلماً من الصراع في السودان، وإنما اختبار عالمي لمدى حيادية الضمير الإنساني حين تُختبر قيمه على الأرض، إن شهادات الاغتصاب الجماعي التي خرجت من بين الدمار والترحيل تدعو العالم كله إلى الوقوف عند لحظة اختبار؛ هل نعتبرها جريمة ننسى بسرعة أم عنوان عزّ عليه أن يُسجّل في سجل العدالة والتاريخ؟

اليوم، النساء والفتيات في دارفور لا يطلبن سوى إعادة الإنسانية إليهن، والهزيمة التي يجب أن تُسجّل ليست في الأسلحة وحدها، بل في الجرأة على المصالحة والمساءلة.

 

سامح ابو الحسن

عن mohamed

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

جميع الحقوق محفوطة للاعلامي احمد بن قطاف 2009 .. 2025