السفارة البلجيكية تهدي نسخًا من لوحات فيرشافيلت للمتحف الوطني نصر الدين دينيه في بوسعادة
في مبادرة ثقافية متميزة، كرّمت السفارة البلجيكية بالجزائر الفنان التشكيلي البلجيكي الراحل إدوارد فيرشافيلت (Édouard Verschaffelt)، بإهداء نسخ رقمية عالية الجودة من لوحاته الزيتية إلى المتحف الوطني نصر الدين دينيه بمدينة بوسعادة، التي كانت وطنه الثاني ومصدر إلهامه لثلاثة عقود من الزمن.
من هو إدوارد فيرشافيلت؟
ولد إدوارد فيرشافيلت سنة 1874 في مدينة غنت (Gent) ببلجيكا، وتخرج من أكاديمية الفنون الجميلة هناك. تأثر في بداياته بالمدرسة الواقعية، لكنه سرعان ما جذبته ألوان الجنوب المتوسط، فزار الجزائر مطلع القرن العشرين، ليستقر في مدينة بوسعادة سنة 1919، حيث وجد فيها الجمال الطبيعي والبشري الذي لطالما بحث عنه.
فيرشافيلت… الفنان الذي صار ابنًا لبوسعادة
لم يكن فيرشافيلت مجرد فنان أوروبي يعيش في شمال إفريقيا، بل اختار أن يندمج في نسيج المجتمع البوسعادي. بعد سنوات من الإقامة، تزوج من امرأة جزائرية تنحدر من قبائل المنطقة، وشارك سكان المدينة حياتهم اليومية ومناسباتهم الاجتماعية. تعلّم اللغة العربية، وعاش بتواضع، وصار يعرفه الكبير والصغير في المدينة، كفنان وإنسان في آنٍ واحد.
عُرف عنه قربه من الناس، وكان يرفض “الاستشراق السطحي”، بل رسم الحياة الجزائرية كما هي، بصدقها ومواقفها وألوانها الحقيقية. جسّد في أعماله مشاهد الأسواق، الأعراس، الطقوس، حياة المرأة والطفل، ليمنح الجزائر وثائق بصرية ثمينة ونادرة.
لوحاته… شهادات فنية على زمن مضى
امتازت لوحات فيرشافيلت بالواقعية والانتماء العاطفي. لم يرسم من خلف زجاج، بل من داخل الأحياء الشعبية والمجالس التقليدية. تُعتبر لوحته الشهيرة “الملفات في بوسعادة” (Les fileuses à Bou Saâda) من أبرز أعماله، حيث توثق بدقة طقوس الغزل والحياة النسائية في الجنوب.

السفارة البلجيكية تكرم روح الفنان
في عام 2025، بادرت السفارة البلجيكية في الجزائر إلى إهداء نسخ رقمية من أبرز لوحاته الزيتية إلى المتحف الوطني نصر الدين دينيه ببوسعادة، كجزء من مشروع دبلوماسي ثقافي يعيد الاعتبار لهذا الفنان الفريد، ويؤكد دور بوسعادة التاريخي كمدينة حاضنة للفن والجمال.
المبادرة تحمل رمزية كبيرة، إذ تعبّر عن عمق العلاقات الثقافية بين الجزائر وبلجيكا، وتسلّط الضوء على الدبلوماسية الثقافية كجسر بين الشعوب، وتجعل من بوسعادة مدينةً تحتفي بالتاريخ والفن والحوار.
بوسعادة… ذاكرة فنية متجذّرة
لطالما كانت بوسعادة نقطة جذب للفنانين والكتّاب والمستشرقين من أوروبا، وفي مقدمتهم نصر الدين دينيه، إتيان دينيه، وكبار المصورين. واليوم، تعود بوسعادة لتحتل مكانتها كعاصمة ثقافية في قلب الصحراء، ومزارٍ مفتوح لعشاق الفن والروح والتاريخ.