القيادة في الحياة الكشفية: من التكليف إلى التأثير

في الشبكة الكشفية

بقلم / القائدة : بوزيدي شفاء

في عالمٍ يُقدِّم الأوامر أكثر مما يُلهم، ويُعلّم الطاعة أكثر مما يُنضج الوعي، تقف القيادة الكشفية كمدرسة مختلفة، لا تُعلِّم القائد كيف يُصدر الأوامر، بل كيف يصغي أولًا… كيف يخدم قبل أن يُطلب منه أن يقود.

✦ ما القيادة في منظور الكشاف؟

ليست القيادة في الكشفية لقبًا يُعلَّق على الكتف، ولا شارة تُعلَّق على الصدر، بل هي رحلة داخلية تبدأ حين يُدرك الكشاف أن “التقدُّم” لا يعني أن يكون في المقدمة دائمًا، بل أن يُحسن دفع من معه إلى الأمام.

القيادة الكشفية هي القدرة على:

الإصغاء قبل الحديث

التفكير قبل القرار

الخدمة قبل التوجيه

هي فنّ جمع الطليعة حول هدف، دون أن يُحسّوا أنهم يُقادون، بل أنهم جزء من صناعة الطريق.

✦ أنماط القادة: ليس كل من يتقدّم هو قائد

في الكشفية، نلتقي بثلاثة أنواع من القادة:

1. قائد باللقب: عُيِّن أو اختير رسميًا، لكنه قد يكتفي بإعطاء التعليمات.

2. قائد بالموقع: قائد الطليعة، الذي يعيش وسط رفاقه، يتقدمهم حينًا، ويتراجع عنهم حينًا ليترك لهم المساحة.

3. قائد بالتأثير: لا يطلب أن يُتبع، بل يُتبع لأن سلوكه مصدر إلهام… هو الذي يقود بحضوره لا بصوته.

✦ القيادة كقيمة: ماذا يعني أن تكون قائدًا كشفيًا ناضجًا؟

القائد الكشفي ليس ذلك الذي يعرف كل شيء، بل من يُتقن قول “لا أعلم” وهو يحمل في عينيه وعدًا بالتعلّم.

هو الذي:

يتحلى بروح الفريق، لا يتفوق على الآخرين بل يرتقي بهم

يبني الثقة لا الهيبة

يُخطئ ويعتذر، ويصيب ولا يتفاخر

يتعلّم من أضعف عنصر في الفريق، قبل أن يُعطيه أمرًا

✦ كيف نزرع بذور القيادة في نفوس الكشافين؟

القيادة لا تُعلَّم… بل تُعيَش.

ولذلك فإن الكشفية توفّر بيئةً نادرة تنضج فيها الشخصية القيادية عبر:

المسؤوليات التناوبية: لأن كل كشاف يستحق أن يذوق طعم القرار وخبرة النتائج.

التجربة الجماعية: ورشات، أنشطة، مخيمات، كلّها مختبرات للقيادة العملية.

التغذية الراجعة الحقيقية: أن نُشيد بالصواب، ونُضيء على الخطأ، دون تجريح أو تزويق.

القصص والنماذج: لأن القدوة تسبق النظرية.

✦ لحظات تكشف القائد دون أن يتكلم

في رحلة خلوية، حين يضيع الطريق…

في مطبخ المخيم، حين لا يجد أحد من يقطع الخضار…

في صراع صامت بين اثنين من الطليعة…

هناك، دون مقدمات، يولد القائد الحقيقي.

✦ القيادة ليست دورًا… بل رسالة

ليست القيادة في الكشفية سلطة، بل مسؤولية أخلاقية.

هي التزام بأنك لن تترك أحدًا خلفك…

أنك ستصغي للضعيف قبل القوي…

أنك ستتعلم كل يوم لتكون أهلًا لمن يثق بك.

في نهاية المطاف، كل كشاف هو مشروع قائد…

وكل لحظة كشفية، هي فرصة لصناعة قائد لا يُحرّك الناس، بل ينهض بهم.

خاتمة:

في الكشفية، القيادة ليست ما نقوم به فقط، بل ما نكونه حين لا يرانا أحد.

فهل نحن مستعدون لأن نكون قادة حقيقيين… حتى في العتمة؟