في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتقاطع فيه الأصوات، آثرت «المجتمع» أن تُنصت لا أن تكتفي بالمراقبة، أن تقترب لا أن تظل على مقاعد التحليل البعيد.
فعلى مدى 3 أشهر أو تزيد قليلاً، شدّت المجلة رحالها عبر الأوطان والقارات، تبحث عن نبض المسلمين في حياتهم اليومية، وعن أصوات تعبّر عنهم في ميادين الفكر والتربية والدعوة وحقوق الإنسان.
من المغرب العربي إلى اليابان، ومن السنغال إلى غزة، مرّت المجتمع بمساحات من التجارب الإنسانية والإيمانية المتنوعة، لتستضيف سبعة عشر مع علماء ومفكرين وأكاديميين كشفوا عن صورةٍ بانورامية لعالمٍ إسلاميٍّ واحد، تتعدد وجوهه، لكن يجمعه همٌّ مشترك وقلب واحد.
لم تكن تلك الحوارات مجرّد لقاءاتٍ إعلامية، وإنما رحلة وعي، ومرآة لآلام المسلمين وآمالهم، ونافذة تفتح على واقعٍ يتغيّر ومعه تتبدّل التحديات والقيم.
حاورنا لنعرف أكثر، لنضيء طريقاً أظلم بفعل البعد الجغرافي تارة، أو محاولات التعمية؛ التي يمارسها المستفيدون منها، حاورنا لنؤدي دورنا في إعادة الوعي المفقود لأمة جددت منذ ولدت شباب الدنيا، ومقدر لها أن تظل بحسبانها شاهدة على من سواها.
المرأة.. بين الهجرة والتحديات
كانت البداية من المغرب، حيث سلّطت «المجتمع» الضوء على معاناة النساء العاملات في إسبانيا وما يكتنف تلك الظاهرة من أبعادٍ إنسانية واقتصادية مؤلمة؛ حيث يقول الأكاديمي حمزة الكتاني، في حديثه للمجلة: إن عمل المرأة المغربية في إسبانيا نوعٌ من العبودية والاتجار بالبشر، مؤكدًا أن الحاجة لا ينبغي أن تُستغل لطمس الكرامة الإنسانية.
ومن المغرب إلى اليمن، تناولت «المجتمع» مع الأكاديمية رانيا خالد واقع الجمعيات والمنظمات الحقوقية ودورها الحقيقي في قضايا المرأة، متسائلة: هل هي نشاطات إعلامية دعائية أم تمسّ جوهر احتياجات المرأة اليمنية؟
تقول: إن الثقافة الإسلامية الأصيلة لا تعادي المرأة، بل تصونها وتحفظ مكانتها، على عكس ما تُروّجه بعض التيارات الحقوقية المستوردة.
الأكاديمية اليمنية رانيا خالد لـ«المجتمع»: الثقافة الإسلامية الأصيلة لا تعادي المرأة
ومن مصر، تحدثت الفقيهة الأصولية د. زينب عبدالسلام أبو الفضل، أستاذة الفقه وأصوله بكلية الآداب جامعة طنطا، عن ضرورة أن تكون الفتوى استباقية لمعالجة القضايا التي تضر بالمجتمع وفي أساسه وهي الأسرة، فلا يصح أن نقف كفقهاء خلف المجتمع، وتكون الفتوى، عقب وقوع الكارثة والضرر.
الفقيهة الأصولية د. زينب أبو الفضل عن الطلاق الشفوي: ما يكون محل نزاع يحلّ قضائياً وليس بالفتوى
أفريقيا.. قارة الإيمان والتحدي
في قلب القارة السمراء، كانت «المجتمع» على موعد مع سلسلة من الحوارات التي كشفت ملامح معاناة المسلمين هناك.
من السنغال، تحدث الأكاديمي محمد المختار عن التهميش الذي يواجهه المستعربون، وعن تغييب اللغة العربية في التعليم رغم جذورها الراسخة في المجتمع.
الأكاديمي السنغالي د. محمد المختار لــ«المجتمع»: السنغال في حاجة إلى جامعة عربية إسلامية
وفي النيجر، شرح الأستاذ الجامعي علي تاسع كيف تعمّد المستعمر الفرنسي –رغم رحيله الشكلي– أن يُبقي على منظومة إفقار المسلمين، قائلاً: إن الأكثرية المسلمة التي تمثل 99% من السكان لا تزال تُدار بأدوات الهيمنة الأجنبية نفسها.
الأكاديمي النيجري علي تاسع لـ«المجتمع»: المستعمر الأجنبي تعمد إفقار بلاد المسلمين
أما من مالي، فقد كشف الأكاديمي أبو بكر محمد أن حملات التنصير تستهدف المسلمين رغم كونهم الأغلبية الساحقة، مشيرًا إلى أن عدد المسيحيين هناك لا يتجاوز 1%، ومع ذلك تُضخّ لهم إمكانات ضخمة لإضعاف الهوية الإسلامية.
الأكاديمي أبوبكر محمد لـ«المجتمع»: مسلمو مالي يتصدون للتنصير في أفريقيا
وفي بوروندي، تحدّث مفتي البلاد الشيخ ناياباغابو سلوم عن فقر المسلمين وتهميشهم السياسي، مؤكدًا أن التنصير ونقص الدعم ونسيان العالم الإسلامي لإخوانه في أفريقيا أخطر التحديات التي نواجهها.
مفتي بوروندي لـ«المجتمع»:التنصير والتهميش ونقص الدعم.. أخطر ما يواجهنا
فلسطين.. الوجع والصمود
ولأنّ جرح الأمة النازف في فلسطين لا يُمكن تجاوزه، فتحت «المجتمع» صفحاتها لغزة والضفة.
ففي غزة، كان الحوار مع محمد الرنتيسي، نجل القائد الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي، الذي تحدّث عن صمود الشعب في وجه آلة الحرب قائلاً: غزة رغم الحصار والدمار، ما زالت متعلّقة بربها، ثابتة على أرضها، واثقة أن النصر وعدٌ إلهي لا يخلفه الله.
نجل الرنتيسي في حوار لـ«المجتمع»: هذه رسائلي لأهل غزة وأمة الإسلام
أما في الضفة الغربية، فقد وصف الشيخ عبدالمجيد العمارنة، مفتي بيت لحم السابق، واقع الفلسطينيين بأنه نزيف يومي من التهجير القسري، تُنفّذه آلة الاحتلال بمساعدة المستوطنين، في محاولةٍ لإفراغ الأرض من أهلها.
مفتي بيت لحم الشيخ عبدالمجيد العمارنة لـ«المجتمع»: أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية «التهجير»
جراح السياسة وفتن الداخل
من سورية، وتحديدًا من محافظة السويداء، تحدث الأكاديمي عرابي عبدالحي عن الانحراف الذي أصاب مسار الثورة السورية، كاشفًا أن ما جرى في السويداء لم يكن حراكًا مطلبياً، وإنما مخطط لتفتيت الثورة واستدعاء العدو «الإسرائيلي» تحت غطاء حماية الأقليات.
الأكاديمي السوري عرابي عبدالحي يكشف لـ«المجتمع» تفاصيل مخطط مليشيات السويداء
نورٌ في بلاد البوذية والتقانة
وفي أقصى الشرق، حيث تتجاور التكنولوجيا مع العزلة الروحية، فتحت «المجتمع» نافذتها على أحوال المسلمين في كوريا الجنوبية واليابان وماليزيا وتايلاند.
يقول الداعية الكوري عبدالله بارك، الذي ترك المسيحية واعتنق الإسلام: إن رحلته كانت تحوّلًا من الفراغ إلى الامتلاء، ومن السؤال إلى اليقين، مشيرًا إلى ازدياد اهتمام الكوريين بالإسلام رغم التحديات الثقافية.
الداعية الكوري عبدالله بارك يروي لـ«المجتمع» قصة اعتناقه الإسلام
أما الأكاديمي ماجد أبو غزالة، كبير المحاضرين بجامعة ملايا في ماليزيا، فقد تحدّث عن النموذج الماليزي في تمكين المرأة المسلمة، مشيرًا إلى أن رفض رئيسة ماليزيا مصافحة الرئيس الصيني رسالة رمزية قوية عن ثبات المرأة المسلمة على قيمها.
وفي اليابان، روى الأكاديمي أكيفومي نومورا كيف يتزايد عدد المسلمين هناك سنويًا، موضحًا أن الإسلام ينتشر بهدوءٍ لافت، عبر السلوك الحسن والتعامل الإنساني أكثر من الدعوة المباشرة.
الأكاديمي الياباني أكيفومي نومورا لـ«المجتمع»: عدد المسلمين في اليابان يتزايد.. وهذا هو السبب
ومن تايلاند، تحدث وي داود وي دريء، نائب رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر في تايلاند عن معاناة المسلمين هناك من تنامي الدعارة والمخدرات، مطالباً الدعاة بتوعية الأسر المسلمة، وخاصة الشباب حتى لا ينساقوا وراء هذا التيار الجارف من المعاصي.
نائب رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر في تايلاند لـ«المجتمع»: الدعارة أكبر التحديات أمام المسلمين
النسوية الإسلامية.. المفهوم والجدل
ولم تغب قضايا المرأة والفكر النسوي عن هذه الجولة الواسعة، خاصة مع تنامي هذا الفكر وظهور تجلياته واضحة في سلوك أجيال جديدة، بدا وكأنها منبتّة الصلة بتعاليم دينها.
تقول الأكاديمية أميمة أبو بكر، المختصة في «النسوية الإسلامية»: إن «النسوية الإسلامية» تيار يرفض الأجندة الاستعمارية، ويبحث عن مقاربة عادلة من داخل المرجعية الإسلامية لا من خارجها.
الأكاديمية أميمة أبو بكر لـ«المجتمع»: النسوية الإسلامية ترفض الأجندة الاستعمارية
ومن الأردن، تحدّثت الأكاديمية د. رولا الحيت عن حدود هذا المفهوم، مؤكدة أن القبول بالنسوية الإسلامية لا يتم إلا بشرطين أساسيين؛ أن تنطلق من روح الشريعة، وألا تُستدرج إلى أجندات غربية مموهة.
الأكاديمية الأردنية رولا الحيت لـ«المجتمع»: شرطان للقبول بـ«النسوية الإسلامية»
قضايا الأسرة.. قلب المجتمع
واستكمالًا لاهتمام المجتمع بالأسرة كحاضنة للقيم والتربية، تحدّث الأكاديمي الأردني علاء موسى عن اضطرابات الأسرة المعاصرة، مقدّمًا ما وصفه بـ«روشتة وقائية» لحماية النشء من الانحراف والضياع.
الأكاديمي الأردني علاء موسى يقدم روشتة وقائية لحماية النشء من الاضطراب الأسري
كما قدّم الخبير التربوي عادل عبدالمعطي الأبيض نصائح ثمينة للأسر والطلاب بعد نتائج الثانوية العامة، معتبرًا أن الفشل الدراسي ليس نهاية الطريق، بل بداية مراجعةٍ تربوية يجب أن تقوم بها الأسرة والمدرسة معًا.
خبير تربوي لـ«المجتمع»:هذا طوق النجاة لطلابنا من إخفاقات التعليم
بينما أكد د. محمد الإمام، أستاذ علم النفس الأخلاقي، أن الأمة في حاجة إلى أصحاب العُمر الخيري، ممن يكثرون من عمل الخير، وليس أصحاب العمر الزمني.
أستاذ علم النفس د. محمد الإمام لـ«المجتمع»: الأمة في حاجة إلى أصحاب العُمر الخيري
وفي ختام هذه الجولة، قدّمت «المجتمع» نموذجًا مضيئًا لشباب الأمة عبر لقاء مع الطالب الأزهري محمد أحمد حسن، الكفيف المبصر، الذي أَمّ المصلين بالجامع الأزهر في رمضان الماضي، قائلًا: الإعاقة ليست عجزًا، بل طاقةٌ حين تُوجَّه نحو الخير تصبح طريقًا للتفوق والتميز.
إمام المصلين بالأزهرالشريف لـ«المجتمع»: هذا سر تفوقي
حين تُصغي «المجتمع» لنبض الأمة
هكذا رسمت المجتمع خلال 90 يومًا خريطةً فكرية وإنسانية لعالمٍ إسلاميٍّ واحد رغم تباعد الجغرافيا.
من أصوات النساء العاملات في حقول الغربة، إلى دُعاة الشرق الأقصى، ومن قلوب أفريقيا الموجوعة إلى صمود غزة، بدت الصورة واضحة جلية.
فالأمة، بكل أطيافها، ما زالت حية، تُفكر، وتُجاهد، وتُؤمن أن الحوار هو السبيل لمعرفة الذات والآخر.
إنه صوت الوعي الذي أرادت «المجتمع» أن توصله من المغرب إلى اليابان، فكانت الحوارات جسرًا، والرحلة شهادةً بأن القلم ما زال قادرًا على أن يُضيء الطريق.
الاعلامي احمد بن قطاف موقع شخصي اخباري واعلامي شامل
