الرئيسية 8 شبكة مواقعنا 8 الشبكة الإسلامية 8 الخيانة في زمن الحرب.. كيف نحصّن الجبهة الداخلية؟

الخيانة في زمن الحرب.. كيف نحصّن الجبهة الداخلية؟

بينما تشتعل ساحات الوغى وتتطاير شرر المقاومة، تبرز في خلفية المشهد ظاهرة كئيبة تنخر في جسد الأمة؛ هي الخيانة، وهي ليست خيانة عابرة، بل خيانة موصولة بالعدو، متجذرة في الوهن، تلبس أثواب الوطنية وتتخفى خلف شعارات براقة، إنهم عملاء الاحتلال، عيونهم على من أذاقوا جيشه صنوف الذلة والمهانة بمجرد الكلمة والكاميرا، أولئك الذين حولوا الحرف إلى رصاصة، والعدسة إلى قنبلة، والصورة إلى معركة وجود.

الكلمة والكاميرا سلاحا المقاومة في مواجهة الخيانة

لطالما كانت الكلمة في زمن الحرب سلاحاً لا يقل فتكاً عن الرصاصة، بل قد تفوقها أثراً، فالكلمة تثير الهمم، وتفضح الظالم، وتخلد البطل، وتكشف الزيف، أما الكاميرا فتقبض على اللحظة، وتوثق الجريمة، وتشهد على التاريخ، بهما يقاوم المقهورون، وبهما يحولون الهزيمة إلى انتصار، والضعف إلى قوة، بهما يفضحون زيف المحتل وادعاءاته، ويكشفون عن وجهه القبيح خلف أقنعة التحضر والمدنية.

عملاء الاحتلال الخطر الوجودي من الداخل

لكن عملاء الاحتلال، أولئك الخونة الذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم بثمن بخس، يحدقون ويراقبون، عيونهم لا تفارق هؤلاء الصحفيين المصورين المقاومين بأقلامهم وكاميراتهم، لأنهم يعرفون جيداً أن هؤلاء يمثلون خطراً وجودياً على مشروعهم الباطل، إنهم يدركون أن كلمة الحق التي تزلزل عروش المحتلين، والصورة التي تكشف زيف ادعاءاتهم، أخطر من ألف دبابة وألف طلقة وقذيفة.

دموع في عيون وقحة؛ مشهد يتكرر كلما انكشف الخائن وبكى أمام عدسة الحقيقة، يتظاهر بالغيرة على الوطن وهو في الحقيقة يسلمه للعدو على طبق من ذهب، تبكي عيناه أمام الناس، بينما قلبه يبتسم للعدو، ويبرر خيانته بأعذار واهية.

الخائن في زمن الحرب يفعل ما لا يفعله العدو نفسه، فهو يضرب من الداخل، يطعن الظهر، يبيع الأسرار، ويسهل مهمة المحتل، الخائن يعرف مواطن الضعف في جسد الوطن، فيستغلها لصالح عدوه، الخائن يبطش بيده ويأتمر بأمر سيده الجديد، متخلياً عن كل قيمة إنسانية وأخلاقية، هو أشبه بالسرطان الذي ينخر في الجسد من الداخل، بينما يواجه الجسد أعداءه من الخارج.

ولعل أخطر أنواع الخونة أولئك الذين يتخذون من الوطنية ستاراً لخيانتهم، فيظهرون بمظهر المناضلين وهم يصطادون في الماء العكر، يمارسون دور الناقد البناء بينما هم في الحقيقة يهدمون الأسس، يتحدثون عن المصلحة الوطنية وهم يبيعون الوطن قطعة قطعة.

الحاجة إلى يقظة شعبية ومناعة ذاتية

في مواجهة هذه الآفة، تبرز الحاجة إلى يقظة شعبية، وإلى تربية الأجيال على حب الوطن والتضحية من أجله، تحتاج الأمة إلى تعزيز مناعة أبنائها ضد مغريات الخيانة، وتربيتهم على أن العار الذي يأتي من الخيانة أشد إيلاماً من جراح الحرب.

ولن تتحقق هذه الغاية (انتزاع النصر من بين أنياب المحتلين) إلا بتحقيق المنعة الداخلية، ذلك الحصن الذي لا يُخترق مهما اشتدت العواصف، مناعة ذاتية تُبنى على الوعي والإيمان واليقين بعدالة القضية، لا على الشعارات العاطفية العابرة، إنها منعة الإرادة الحرة التي ترفض الخضوع والخنوع، والإرادة الواعية التي تميز بين النقد والإساءة، بين النصيحة والخيانة، وبين الولاء للوطن والتبعية للعدو.

الانتصار الداخلي كشرط للنصر الخارجي

إنها معركة داخلية بقدر ما هي خارجية، فقبل أن نواجه العدو بالسلاح، ينبغي أن نهزمه في داخلنا، أن نهزم الخوف والتردد، وأن نسد الثغرات التي يتسلل منها الخائنون، وعبر هذا الانتصار الإرادي على آفة الخيانة، تُرفع كلمة الحق عالية على الباطل، وتحصن جبهة الداخل من التصدع والشقاق، فيصبح الوطن محصنًا من الغدر، قويًا في وجه الفتن، عصيًا على الانكسار.

وعندما يسود الولاء الصادق والاستعداد للتضحية، وتتحول الكلمة إلى عهد، والوعي إلى سلاح، تتشكل أمة عصية على الانكسار، أمة تعلم أن النصر لا يُمنح بل يُنتزع انتزاعًا، وأن الطريق إليه مرهون بوحدة الصف، وصفاء القلوب وثبات المبدأ، وعندها فقط وبهذا التماسك الداخلي وهذه الروح التي لا تنحني، تصبح الأمة جديرة بنصرها المحقق، وتكتب بدمائها فجر الحرية القادم.

عن mohamed

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

جميع الحقوق محفوطة للاعلامي احمد بن قطاف 2009 .. 2025