انتهت الانتخابات المحلية في نيويورك بإعلان فوز السياسي الأمريكي من أصل إفريقي هندي، زهران ممداني، بمنصب عمدة المدينة، في لحظة وصفت بأنها تحول رمزي عميق في المزاج السياسي الأمريكي. ممداني، المعروف بمواقفه الواضحة ضد الاحتلال الإسرائيلي ودعواته المتكررة لإنهاء الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، مثّل خلال حملته الانتخابية صوتًا نادرًا يواجه علنًا منظومة الدعم غير المشروط لإسرائيل في الولايات المتحدة.
فوز ممداني أثار ردود فعل غاضبة في الأوساط الإسرائيلية، التي عدّت النتيجة مؤشرًا على تصاعد تيار سياسي وشعبي في الغرب يربط بين العدالة الاجتماعية في الداخل الأميركي وحقوق الإنسان في فلسطين. وفي المقابل، استقبل الفلسطينيون وأنصارهم الخبر بعدّه انتصارًا أخلاقيًا ومعنويًا يعكس التغيير المتدرج في وعي الرأي العام العالمي تجاه ما كشفت عنه الإبادة الجماعية في غزة من حقائق قاسية.
وجاء فوز ممداني في سياق دولي تتغير فيه السرديات بوتيرة غير مسبوقة؛ فالإبادة التي شهدها قطاع غزة لم تترك أثرها على الوجدان الإنساني فحسب، بل هزّت أيضًا البنية الأخلاقية للخطاب الغربي، ودفعت كثيرين إلى مساءلة الموروث السياسي والإعلامي الذي طالما منح الشرعية لسياسات الاحتلال.
هذه التحولات جعلت من حدث انتخابي محلي كفوز ممداني انعكاسًا لصراع أوسع على الوعي، بين من يسعى لإدامة السردية الإسرائيلية ومن يطالب بكشف حقيقتها ومحاسبتها.
ووصفت هذه الدورة الانتخابية بأنها استفتاء على إسرائيل وحرب غزة بالنسبة لعدد من سكان نيويورك، وفقًا لشبكة “سي بي إس نيوز”، حيث شكل موقف ممداني المناهض لسياسات الاحتلال محور حملته الانتخابية وخطابه السياسي.
قلق شديد
الإعلام الإسرائيلي تفاعل بقلق شديد مع فوز ممداني، وكتب الصحفي الإسرائيلي أريئيل كاهانا أن فوز ممداني يشكل “زلزالًا سياسياً” في الولايات المتحدة، واعتبر أن نيويورك سلّمت قيادتها إلى سياسي “شيوعي متعاطف مع التيارات الإسلامية المتطرفة”، حسب وصفه.
وأضاف كاهانا في مقال أن الغرب يخترقه سياسيون مسلمين، معبّرًا عن خشية من “صعود تيار سياسي يتعاطف مع المقاومة ويرفض نزع سلاحها”.
وختم بتحذير شديد: “إذا لم يستيقظ الغرب فسيسقط عند أقدام من يسعون لفرض الشريعة”، على حد زعمه.
صدمة إسرائيل
الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة إن فوز ممداني يقول: “هناك صدمة في إسرائيل، لأنه لأول مرة يصل إلى موقع رسمي رفيع في مدينة محورية شخصية ترى الاحتلال جريمة إنسانية، وتطالب بمحاسبة قادته”.
وأوضح في تصريحات للمركز الفلسطيني للإعلام أن فوز ممداني يمثل نقطة أولى لبداية تيار عالمي جديد ولد من رحم مشاهد الإبادة في غزة، بعد أن اهتزت الرواية الإسرائيلية في الغرب لأول مرة منذ تأسيس الكيان.
وأضاف هلسة: “غزة غيّرت الوعي العالمي. لم تعد إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بالاحتكار الأخلاقي الذي ادعته لعقود، اليوم، السياسيون الأميركيون يشعرون بالجرأة لانتقاد الاحتلال علنًا”.
وأكد أن إسرائيل تدرك خطورة هذه اللحظة: “هناك خوف إسرائيلي حقيقي من موجة سياسية مضادة للاحتلال تتشكل في الغرب وقد بدأت من نيويورك”.
وختم بالقول: “إذا كان القرن الماضي قرن القوة الإسرائيلية في السياسة الغربية، فقد تكون حرب غزة نقطة التحول نحو نهاية تلك الهيمنة”.
وحصل ممداني، 34 عاماً، على 50.4% من الأصوات، مقابل 41.3% لحاكم نيويورك السابق أندرو كومو، فيما أظهرت التوقعات التي صدرت بعد فرز 75% من الأصوات تأخر مرشح الحزب الجمهوري كورتيس سليوا بنسبة 7.5%.
ويعد ممداني أول عمدة في تاريخ المدينة يعلن صراحة رفضه للعدوان الإسرائيلي على غزة، ويصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري تنتهك القانون الدولي وتعتدي على حقوق الشعب الفلسطيني.
وبحسب وسائل الإعلام الأمريكية، يمثل فوزه تحولًا سياسيًا جذريًا داخل نيويورك، خصوصًا في مدينة تضم أكبر تجمع يهودي خارج إسرائيل، ما يعكس اتساع الوعي الشعبي الأمريكي بانتهاكات الاحتلال وعدوانه المستمر على الفلسطينيين، وولادة تيار شعبي وسياسي جديد في الولايات المتحدة خرج من الرماد الإنساني الذي خلّفته حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.
مواقف ممداني من الاحتلال
خلال حملته الانتخابية، شدد ممداني على أن حق الشعوب في الوجود لا يعني تبرير العدوان، قائلاً: “إسرائيل تمارس سياسات استعمارية عنصرية ضد الفلسطينيين، وتنتهك مسؤولياتها الإنسانية والقانونية”.
وخلال لقاء مع اتحاد اليهود المتحدين في نيويورك، أكد أن إسرائيل يجب أن تصبح دولة تمنح حقوقًا متساوية للجميع، لا دولة تميّز على أساس الدين أو العرق.
كما قال في لقاء مع “فوكس 5”: “لن أدعم أي دولة تطبق نظام مواطنة هرمي على أساس الدين”.
وكان ممداني من أبرز الداعمين لحركة المقاطعة (BDS)، ودعا لحل المجلس الاقتصادي المشترك بين نيويورك وإسرائيل، وقدم قانونًا لمنع تمويل المستوطنات.
وشارك في تأسيس فرع “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” خلال دراسته عام 2014، وكتب حينها: “الجامعات الإسرائيلية متورطة بشكل مباشر وغير مباشر في جرائم الاستعمار”.
وبعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، حذر من أن الرد الإسرائيلي سيؤدي إلى مجازر في غزة، وقال: “السلام العادل يبدأ بإنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري”.
ووصف الحرب الإسرائيلية بـ”الإبادة الجماعية”، متهمًا واشنطن بالتواطؤ.
كما أعلن خلال مقابلة مع MSNBC: “لو كنت عمدة نيويورك، لاعتقلت بنيامين نتنياهو، وسأفعل”.
واجه ممداني انتقادات واسعة بعد رفضه التوقيع على قرارات رمزية لإحياء ذكرى الهولوكوست، مؤكدًا أن رفضه يأتي من منطلق عدم السماح باستغلال المآسي التاريخية لتبرير جرائم حديثة.
وقال: “إحياء الماضي لا يجب أن يكون مبرراً لتجاهل المآسي الحاضرة”.
حرب غزة من أسباب فوزه
الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي يرى أن فوز ممداني يعكس عدة عوامل، منها فساد رؤساء بلدية نيويورك السابقين، ووجود فرع قوي لمنظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في نيويورك والولايات المتحدة، والذي شكّل بنية تحتية داعمة للانتخاب.
وأضاف في تصريح لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام أن فوز ممداني جاء نتيجة ردة فعل بعض شرائح المجتمع الأمريكي على سياسات ترامب، وكشف فساد الحزب الديمقراطي، خاصة التيار الوسطي والليبرالي، والتي تجلت خلال الإبادة الجماعية في غزة وكذب الإدارة في سياساتها.
وأكد عرابي أن الانتخابات أظهرت أن المجتمع الأمريكي لا يتجه نحو اليمين بل هناك قوة يسارية تقدمية مهمة، تمثل موقفًا مناهضًا للاحتلال الإسرائيلي، رغم أن هذه القوى لا تشكل بالضرورة تحالفًا مطلقًا مع الموقف الفلسطيني الكامل أو رؤاه التحررية.
وأشار إلى أن القوى المعادية مثل اليمين، الدولة العميقة، واللوبي الصهيوني ما زالت تمثل تحديًا لهذا التيار، لكنه شدد على أن هذه البداية تمثل فرصة لبروز تيار راسخ تدريجيًا في الولايات المتحدة.
فرصة أمل
وعلقت الكاتبة لمى خاطر على حسابها في فيسبوك قائلة: “ليست القضية أننا ننتظر كثيراً من المواقف العملية تجاه قضية فلسطين من زهران ممداني أو غيره ممن فازوا في انتخابات أمس، لكن من المهم ألا نتجاهل معنى وأهمية أن تتحقق مثل هذه المفاجأة في نيويورك تحديدًا، وفي قلب أمريكا عموماً، وأن تتكرس ظاهرة وجود أصوات رسمية وذات مواقع سلطوية مناهضة لإجرام الاحتلال ولغطرسة ترمب والجمهوريين”.
واضافت ان كل ما يؤذي الكيان وداعميه في الغرب يشكل فرصة للأمل وإن كانت ضئيلة، ويشي بأن هناك تحولات جارية وقادمة، بعد الطوفان ثم الإبادة الوحشية في غزة.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2025/11/06/980966/
الاعلامي احمد بن قطاف موقع شخصي اخباري واعلامي شامل
