في أحد أيام الجزائر التي كانت لا تزال تحبو نحو فجر الاستقلال، حلّ على مدينة بوسعادة رجل من طينة الكبار، أحد رجالات الوطن الذين كتبوا بأفعالهم فصول الكرامة. كان الزائر فرحات عباس، الطبيب، السياسي، والمثقف الذي تحوّل إلى رمز وطني، وهو يدخل قاعة سينما بن سراج ليُلاقي أبناء بوسعادة وجها لوجه، بلا حواجز ولا مسافات.
لم تكن تلك القاعة مجرّد فضاء لعرض الأفلام، بل كانت في ذلك الزمن الملبد بالأسئلة، منبرًا حرًا يجتمع فيه الوطنيون والأحرار. هناك، في ذلك اللقاء الذي وثّقته صورة نادرة بالأسود والأبيض، تلاقت الهمم، وامتزجت نظرات الإيمان بمستقبل الجزائر، في عيون رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
في الصورة، إلى جانب فرحات عباس، تتجلى وجوه يعرفها كل بوسعادي أصيل:
شريف المداني و الحاج الزبير والإخوة بن سليمان رابح والحسين والحاج بازة والشهيد بن حميدة، الذي خطّ اسمه في سجل الخلود.
كانوا هناك، لا لالتقاط صورة تذكارية، بل ليؤكدوا أن بوسعادة، المدينة الهادئة الوادعة، لم تكن يوما على هامش التاريخ. بل كانت جزءًا حيًا من جسد الجزائر، تنبض بوطنية صادقة، وتُقدّم أبناءها شهداء ومجاهدين ومناصرين للفكرة وللثورة.
فرحات عباس، الذي سيصبح لاحقًا أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كان في تلك اللحظة واحدًا من الحالمين مثلهم، الحاملين للقلق ذاته، وللأمل ذاته. لقاءه مع أهل بوسعادة كان لقاءً بين الرمز والناس، بين من يكتب الخطاب، ومن يزرع في الأرض كي ينبت الغد.
واليوم، وبعد عقود من تلك اللحظة، تعود الصورة إلى النور، ويعود معها سؤال الذاكرة. ماذا بقي من ذلك اللقاء؟
بقيت الصورة، وبقي الاسم، وبقيت المدينة التي لا تنسى أبناءها ولا زوارها الكبار.
ففي بوسعادة، الذاكرة ليست ماضٍ يُنسى… بل روح تعيش في كل زاوية، في كل اسم، وفي كل قلب لا يزال يؤمن بأن الجزائر بُنيت بالتضحيات، بالصورة، وبالكلمة.
رحم الله من رحلوا، وبارك الله في من ظلّوا أوفياء للذاكرة.
بوسعادة انفو