مع اقتراب دخول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عاد مصطلح “القوة الدولية” إلى الواجهة، وباتت ماهية القوة والدول المشاركة فيها وصلاحياتها وشرعيتها، الحديث الشاغل للواقع السياسي العالمي وحتى للشارع الفلسطيني في قطاع غزة.
وقبل عدة أيام، أعلن الرئيس الأميركي أن “قوة إرساء الاستقرار في غزة” ستنشر قريبا وبسرعة، وقال إنه يجري حاليا اختيار قادة هذه القوة، فيما كشف وزير خارجيته ماركو روبيو عن ترتيبات جارية لتفويض قوة متعددة الجنسيات، لكنه اشترط أن تكون مريحة للجانب الصهيوني.
وكشف موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي عن تحرك أمريكي في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بتشكيل قوة دولية بصلاحيات واسعة في غزة بموجب خطة الرئيس دونالد ترامب لمرحلة ما بعد الحرب في القطاع.
ووفق الموقع فقد نقلت مسودة قرار أميركي لإنشاء قوة دولية بغزة لعدد من أعضاء مجلس الأمن، وتمنح المسودة الولايات المتحدة والدول المشاركة تفويضا واسعا لحكم غزة وتوفير الأمن فيها، إذ يدعو مشروع القرار إلى بقاء “مجلس السلام” في القطاع قائما حتى نهاية عام 2027 على الأقل.
وورد في الوثيقة أن القوة الدولية ستكلف بتأمين حدود غزة مع (إسرائيل) ومصر وحماية المدنيين والممرات الإنسانية، وتشمل مهامها تدمير ومنع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية بالإضافة إلى نزع السلاح، وتدريب قوة شرطة فلسطينية ستكون شريكة للقوة الدولية في مهمتها.
ووفق مسؤول أمريكي، فإن القوة الدولية ستكون قوة إنفاذ وليست قوة حفظ سلام وستضم قوات من عدة دول، وسيتم إنشاؤها بالتشاور مع “مجلس السلام” في غزة.
حركة حماس وعلى لسان رئيس وفدها المفاوض خليل الحية أكدت قبول الفصائل الفلسطينية بالقوات الأممية كقوات فصل ومراقبة للحدود ومتابعة لوقف إطلاق النار، مؤكدة أن القرار الأممي هو الذي سيحدد نوعية هذه القوات ومدتها وآليات عملها.
وهذا الموقف الفصائلي والحمساوي يتناقض هذا الموقف مع التصور الأميركي والإسرائيلي الذي يريد للقوة الدولية أن تقوم بنزع سلاح حماس وفرض الأمن في القطاع.
وفي هذا التقرير يقدم ضيوف “المركز الفلسطيني للإعلام” قراءتهم لماهية هذه القوة ومهامها ووجهة نظرهم في آلية عملها ومهامها ومدى ملاءمتها للواقع في قطاع غزة وتوافق عملها مع الفصائل الفلسطينية المتواجدة هناك.
استكمال مهام الجيش الصهيوني
الخبير العسكري اللواء يوسف الشرقاوي، قال إن ما يسمى بـ”القوة التنفيذية” المقترحة ليست قوة رقابية على غرار قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، التي يقتصر دورها على تسجيل الخروقات، بل هي قوة “حمالة أوجه” يُراد لها أن تكون ذات طابع عملياتي، ما يعني أنها ستتولى تنفيذ مهام ميدانية تمس الوضع الداخلي في غزة.
وأوضح “الشرقاوي”، في حديث خاص مع “المركز الفلسطيني للإعلام”، أن طبيعة هذه القوة، كما تطرحها واشنطن، تشير إلى أنها تهدف لاستكمال مهمات الجيش الصهيوني بعد انسحابه أو إعادة تموضعه، وهو ما يجعلها امتداداً للاحتلال بأدوات جديدة، لا سيما في ظل رفض الاحتلال أن تكون هذه القوة تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وأكد أن عدم وضع القوة تحت البند السابع يعني أنها لن تكون قوة لفض الاشتباك أو حفظ السلام، بل أداة تنفيذية بغطاء دولي، وهو ما يحمل مؤشرات خطيرة على صعيد الأهداف الحقيقية من تشكيلها.
ويرى أن صيغة “القوة التنفيذية” التي تُطرح اليوم تحمل في طياتها استهدافاً مباشراً للفلسطينيين، تحت مبررات ضبط الأمن أو الإشراف على إعادة الإعمار، لكنها عملياً تفتح الباب أمام وجود أمني جديد يتحكم بالقطاع ويقيد القرار الوطني الفلسطيني.
ويعتقد اللواء “الشرقاوي”، أن الخيار الفلسطيني والعربي الإسلامي البديل يتمثل في تفاهم مشترك يقضي بتسليم إدارة القطاع إلى قوة عربية–إسلامية تعمل على فضّ الاشتباك ومراقبته، ضمن إطار سياسي يضمن عدم تكرار تجربة الاحتلال أو تدويل القطاع.
وشدد “الشرقاوي”، أن أخطر ما في المقترح الأمريكي هو إمكانية توظيف هذه القوة كغطاء دولي للقيام بمهام الاحتلال الصهيوني بصورة غير مباشرة، بما يشكل انتهاكاً للسيادة الفلسطينية وتهديداً لمستقبل أي تسوية عادلة.
ويرى “الشرقاوي”، أن مواجهة هذا السيناريو تتطلب موقفاً فلسطينياً وعربياً موحداً، يرفض أي صيغة تمس الإرادة الوطنية، ويؤكد أن الأمن في غزة لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى بتوافق داخلي ودعم عربي–إسلامي حقيقي.
لابد أن يقبلها الفلسطينيون
من جهته قال الخبير العسكري اللواء محمد المصري، إن أي قوة يتم الحديث عن تشكيلها أو نشرها في قطاع غزة يجب أن تكون قوة لحفظ السلام لا لفرضه، مشددًا على أن مهمتها الأساسية يجب أن تتركز على الحدود بين القطاع والأراضي المحتلة، مع دورٍ مساندٍ للقوات الشرطية في الداخل، ضمن صلاحيات واضحة ومحددة.
وأوضح “المصري”، في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”، أنه من الضروري أن تكون هذه القوة مقبولة من الشعب الفلسطيني، وأن تتكوّن من دول عربية وإسلامية محايدة لها علاقات طيبة مع الفلسطينيين، وليس من قوى وافدة إلى القطاع بهدف فرض الأمن وفق الرؤية الإسرائيلية أو نزع سلاح الفصائل، الذي وصفه بأنه قضية داخلية تُناقَش في إطار المفاوضات الوطنية وبما يحافظ على الرمزية الوطنية للمقاومة.
وأضاف أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن هناك مشروعًا مطروحًا في مجلس الأمن يتعلق بتشكيل هذه القوة، وهو ورقة متداولة حاليًا بين الأطراف الدولية.
وبيّن أن وجهات النظر منقسمة حول مهام القوة، فـ”إسرائيل” تريدها أداة للسيطرة على الميدان وإدارة النظام العام ونزع السلاح، في حين ترى المجموعة العربية ومجموعة الثمانية في إسطنبول أن دورها يجب أن يكون حماية الشعب الفلسطيني والفصل بين الطرفين ومساعدته إنسانيًا.
ويرى “المصري” أن المشروع بصيغته الأمريكية الإسرائيلية الحالية يثير تخوفات حقيقية من أن يتحول الوضع إلى نظام وصاية على القطاع، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الفلسطينيين يرحبون بوجود أي قوة عربية أو إسلامية في حال كانت منسجمة مع أجهزة الشرطة في غزة وتعمل في إطار احترام السيادة الفلسطينية وحماية الشعب لا العكس.
قوة بمقاس إسرائيلي لاستكمال الإبادة
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني محمد القيق، يرى أن الولايات المتحدة تريد للقوة الدولية أن تكون بمقاسات صهيونية أمريكية، لتكون بديلا للسلطة الفلسطينية وحركة حماس، وبديلا كذلك عن الوجود العسكري الصهيوني في غزة.
ويعتقد “القيق”، في حديث خاص مع “المركز الفلسطيني للإعلام”، أن أمريكا تريد بهذه القوة أن تمسح عن الاحتلال الصهيوني جرم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في غزة، لتصبح المواجهة المقبلة بين الفلسطينيين وهذه القوة، “وحين وقوع ذلك يصبح الحديث عن أن حماس وفصائل المقاومة هي المشكلة وليس الاحتلال الذي ارتكب جريمة الإبادة”، وفق قوله.
وبين “القيق”، أن هذه هي الرؤية التي تريدها أمريكا وتذهب بها إلى مجلس الأمن، دون تفاصيل، وتريد أن تحصل على المصادقة وبعد ذلك تعبث هي بالتفاصيل كما تشاء.
وتوقع “القيق”، عدم وجود أي مسار توافقي بين هذه القوة الدولية والفلسطينيين، معللاً ذلك بحضورها بأرضية إسرائيلية أمريكية، لنزع سلاح المقاومة والمماطلة في عملية الإعمار، ولوضع شروط جديدة على الفلسطينيين، ليس فقط في قضية السلاح والمقاومة بل بالمزيد من التنازلات في موضوع المناهج والتعاطي مع الهوية الفلسطينية، وغيرها.
وعبر “القيق”، عن خشيته من السعي الأمريكي لاستصدار قرار تشكيل القوة من مجلس الأمن، وقال إن الخشية تكمن في محاولة شرعنة ما ستقوم به هذه القوة تحت إطار أنها قوة دولية وخاصة أنها مرتبطة بإنفاذ القانون وليست قوة حفظ سلام”.
وأكد أن الأمريكي ذاهب لمجلس الأمن “لأخذ رخصة للإبادة الجماعية من خلال المجتمع الدولي والقوى الدولية ليعفي الاحتلال الإسرائيلي من الجريمة التي قام بها ويخلصه من الذي فشل عن القيام به”.
ويرى “ضيف المركز”، أن الخلاف الفلسطيني هو أساس التحكم الأمريكي والصهيوني في المشهد، مشددا أن التوافق الفلسطيني سيكون مقبرة لهذه القوة، وللمخطط الأمريكي الصهيوني.
ويتضح أن الأمريكي لم يوقف الحرب من أجل سواد عيون الغزيين، أو لوازع إنساني استيقظ فجأة، بل لامتصاص الغضب العالمي، واستكمال حرب الإبادة بطريقة أخرى، وبدعم دولي واسع من خلال المؤسسات ذاتها التي تركها عاجزة خلال عامين كاملين من الإبادة عن فعل أي شيء يرفع الظلم عن المعذبين في قطاع غزة.
لكن المشهد المعقد الذي تحياه غزة اليوم، وما يخطط ويراد لها ولأهلها، يمكن أن يكون نقطة تحول إيجابي إذا ما كسر الفلسطينيون الفيتو الصهيوني الأمريكي على المصالحة الفلسطينية، وواجهوا كل هذه المخططات برؤية وطنية جامعة بعيدا عن كل الخلافات الصغيرة والجانبية التي لا تذكر أمام ما يحاك للقضة الفلسطينية برمتها.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام
الاعلامي احمد بن قطاف موقع شخصي اخباري واعلامي شامل
