نسمع هذه الأيام، في مختلف وسائل الإعلام، بمصطلح الإغلاق الحكومي الأمريكي (U.S. Government Shutdown)، الذي يُشير إلى حالة تتوقف فيها مؤسسات الحكومة الفيدرالية عن العمل جزئيًا، أو كليًا.
والتوقف الحالي في الولايات المتحدة نتيجة لفشل في الاتفاق على خطة إنفاق مؤقتة تحافظ على التمويل الحكومي، فيما يتسع نطاق تداعياته التي تطال ملايين الأمريكيين.
وفي الحالة الطبيعية وبعد موافقة الكونغرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) على الميزانية تحول للرئيس للتوقيع عليها لتدخل حيز التنفيذ الرسمي.
ورغم أنَّ الجمهوريين يسيطرون على مجلسي الكونغرس، وتمكنوا من تمرير المشروع في مجلس النواب، فإنهم يفتقرون في مجلس الشيوخ للأصوات اللازمة لتمرير مشروع القانون،
وحظي المشروع بدعم 55 صوتاً مقابل 45 صوتاً ضده، علماً بأن مشروع القرار يحتاج إلى أغلبية 60 صوتاً لاعتماده من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ.
وهذا الإغلاق ليس الأول في التاريخ الأمريكي، فقد حصل إغلاق في العام 1995–1996م، في عهد الرئيس بيل كلينتون، واستمر 21 يومًا.
ثم إغلاق العام 2013م، في عهد الرئيس باراك أوباما، واستمر 16 يومًا بسبب خلاف حول قانون الرعاية الصحية.
وكذلك إغلاق العام 2018–2019م، في الولاية الأولى للرئيس ترمب، وكان، حينها، الإغلاق الأطول في التاريخ الحديث، واستمر 35 يومًا بسبب الخلاف حول تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك.
ولكن يبدو أن الإغلاق الحالي هو الأكبر والثاني في عهد الرئيس ترمب، وهو أكثر من 40 يومًا حيث إنه بدأ بالأول من أكتوبر الماضي.
وهذا يعني أن أعضاء الكونغرس الأمريكي قد اختلفوا بخصوص موازنة الولايات، التي تقر في الأول من أكتوبر من كل عام، بداية السنة المالية، ومن هنا بدأت المعضلة.
ويمكن القول بعبارة أبسط: إن الأموال التي تنفقها الحكومة الأمريكية للولايات لتمويل الرواتب والوزارات والمساعدات قد توقفت.
وبهذا، فإن الحكومات في عموم الولايات الأمريكية لا يمكنها التصرف المالي وتشغيل الدوائر الحكومية، وصرف رواتب الموظفين وغيرها من ضروريات الصرف، وهذا بدوره يقود إلى تراجع رغبة الموظفين في الدوام التام في مؤسسات الدولة، وبالمحصلة تصل غالبية الدوائر إلى مرحلة التوقف الجزئي أو الكامل، وهنا نكون بمواجهة الإغلاق الحكومي.
ونحاول هنا تسليط الضوء وبشكل مختصر على آثار الإغلاق الحكومي الأمريكي على جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والمجتمعية وغيرها:
الحياة السياسية
قبل ذكر بعض آثار الإغلاق الحكومي على السياسة العامة للولايات المتحدة، نؤكد أن الإغلاق بحد ذاته أزمة سياسية حادة ضربت مفاصل الدولة.
وقال الرئيس ترمب، خلال اجتماع مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في البيت الأبيض، وفق ما أوردت صحيفة «بوليتيكو»: إن الإغلاق كان عاملًا سلبيًا كبيرًا للجمهوريين.
والإغلاق صورة من صور الخلاف الأزلي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي داخل الكونغرس الأمريكي، حيث فشل الحزبان في الوصول إلى تسوية بخصوص تمويل برنامج الرعاية الصحية ضمن ما يسمى برنامج «أوباما كير».
ويبدو هنالك تداعيات سياسية كبرى قد تظهر في الانتخابات الأمريكية الرئاسية المقبلة.
الحياة الاقتصادية
وهذا الإغلاق سيؤدي لتراجع نمو الأسواق ويعطي المعارضة الحجة لتوجيه اللوم للحكومة، وفي ذات الوقت يمكن للحكومة استخدام هذه الورقة ضد المعارضة على اعتبار أن المتسببين بهذا الإغلاق يضرون بمستقبل البلاد لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة.
والإغلاق الحكومي سيؤثر كذلك على بعض الخدمات العامة ومنها الحدائق الوطنية والمتاحف، بعض برامج المساعدات الاجتماعية المؤقتة، وطلبات التأشيرات وجوازات السفر، والخدمات الأساسية.
وقد أثر هذا الإغلاق على وسائط النقل الجوية والبرية وربما سيدخل البلاد في أزمة حادة إن لم يتم تدارك الأمر بسرعة!
وقد حمّل الرئيس ترمب الإغلاق الحكومي مسؤولية الهزيمة واقتصاد أمريكا يخسر 15 مليار دولار أسبوعيًا، وهذا يعني أن الإغلاق ألحق الكثير من الأذى بالاقتصاد الأمريكي.
الحياة المجتمعية
وهذه الآثار وصلت إلى المجتمع الأمريكي حيث تأثرت برامج الدعم الغذائي، إذ واجه أكثر من 40 مليون أمريكي خطر انقطاع إعاناتهم ضمن برنامج المساعدات الغذائية (SNAP)، ورغم أن محكمة فيدرالية أمرت الحكومة بدفع المستحقات كاملة، علّقت المحكمة العليا القرار مؤقتًا؛ ما زاد من الغموض حول توقيت صرف المساعدات.
في هذا السياق، يكافح «بنك الطعام في منطقة العاصمة» (Capital Area Food Bank) لمواكبة الطلب المتزايد، إذ يوزع 8 ملايين وجبة إضافية هذا العام، ما يعادل زيادة نسبتها 20%، لخدمة 400 منظمة توزيع في مقاطعة كولومبيا وشمال فرجينيا ومنطقتي ماريلاند.
بداية نهاية الأزمة
وبعد مناقشات طويلة وعريضة، صوّت مجلس الشيوخ، الأحد الماضي، بأغلبية 60 صوتًا مقابل 40 صوتًا لإلغاء عرقلة الديمقراطيين لتشريع تمويل الحكومة؛ ما يضع الكونغرس على مسار إنهاء أطول إغلاق حكومي في التاريخ الأمريكي خلال أيام.
وتمكن أعضاء مجلس الشيوخ من كسر الجمود الذي عصف بالمجلس لـ5 أسابيع بعد موافقة 8 أعضاء ديمقراطيين بالمجلس على صفقة تضمنت تصويتًا لاحقًا على تمديد دعم الرعاية الصحية، الذي كان مطروحًا على الطاولة لأسابيع، بالإضافة إلى ضمانات بإعادة الموظفين الفيدراليين الذين تمّ تسريحهم خلال فترة الإغلاق.
ويقال: إن هذا انتصار لفريق الرئيس ترمب بطعم الهزيمة، وبهذا فإن المجتمع الأمريكي يترقب نهاية الأزمة وتوقيع قانون الإنفاق الجديد الذي يفترض توقيعه من الرئيس الأمريكي؛ ما يعيد الحياة لعمل الحكومات في عموم البلاد، ونهاية الإغلاق الأكبر في التاريخ الأمريكي.
د. جاسم الشمري
الاعلامي احمد بن قطاف موقع شخصي اخباري واعلامي شامل
