الرئيسية 8 شبكة مواقعنا 8 الشبكة الإسلامية 8 «الخط الأصفر».. مشروع «إسرائيلي» لسرقة الأرض وتجريف الذاكرة الزراعية في غزة

«الخط الأصفر».. مشروع «إسرائيلي» لسرقة الأرض وتجريف الذاكرة الزراعية في غزة

على امتداد العقود الماضية، شكلت الزراعة في قطاع غزة ركيزة أساسية في حياة السكان، ومصدراً رئيساً للغذاء والدخل والأمن المجتمعي، فرغم محدودية الموارد وضيق المساحة، استطاع القطاع أن يحقق مستويات مهمة من الاكتفاء الذاتي الغذائي، ليحافظ على جزء من استقلاله الاقتصادي في مواجهة الحصار «الإسرائيلي» المستمر منذ عام 2006م.

لكن هذا النجاح لم يرق لدولة الاحتلال؛ إذ نظرت «إسرائيل» إلى الاكتفاء الذاتي في غزة بوصفه تهديداً مزدوجاً؛ اقتصادياً لأنه يقلل من تبعية القطاع، وسياسياً لأنه يرسخ قدرة السكان على الصمود، ومنذ ذلك الوقت، تحولت الأرض الزراعية في غزة إلى ساحة استهداف منهجي، بدأت بإغلاق المعابر أمام الصادرات الزراعية، ومنع مستلزمات الإنتاج، وصولاً إلى استنزاف المياه الجوفية والتضييق على المزارعين.

من الحرب على المزروعات إلى الأرض

تدرج الهجوم على القطاع الزراعي من إجراءات اقتصادية إلى أدوات عسكرية صريحة، فبعد حرب عام 2008–2009م، لجأت «إسرائيل» إلى رش مواد كيميائية سامة على طول الحدود الشرقية، وتوسعت لاحقاً عمليات تجريف الأراضي الزراعية والبيوت البلاستيكية وتحويل الحقول إلى أراض قاحلة.

ومع اندلاع معركة «طوفان الأقصى»، في أكتوبر 2023م، دخلت الزراعة مرحلة التدمير الشامل، فقد استهدفت قوات الاحتلال بشكل مباشر مناطق الإنتاج الزراعي في بيت حانون، وخزاعة، وجحر الديك، والفخاري ودير البلح، وهي مناطق كانت تُعرف بـ«سلة غزة الغذائية».

واستناداً لأحدث التقييمات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات) في أغسطس الماضي، فإن نسبة الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية وصلت لـ98.5%، فيما تبقى أقل من 232 هكتاراً صالحاً للزراعية حالياً، ومع ذلك فإن 12.4% من هذه الأراضي يستحيل الوصول إليها كونها تصنف كمناطق عسكرية؛ أي أنها تقع خلف الخط الأصفر.

بالنسبة للآبار الزراعية، فقد تجاوزت نسبة الأضرار التي لحقت بها 82.8%، فيما بلغت نسبة الأضرار بالدفيئات الزراعية 71%، ويمكن اعتبار أن محافظة رفح وبيت حانون تضررا بشكل كامل، بسبب تدمير الاحتلال لهما.

من فقدان المحصول إلى فقدان الأرض

لم تعد المأساة مجرد خسارة مواسم، فالتربة نفسها تضررت، أدت القذائف المتفجرة والجرافات الثقيلة إلى تدمير البنية الحيوية للتربة وزيادة ملوحتها، فضلاً عن تلوثها بالمعادن الثقيلة والمواد السامة، وحتى إن توقفت الحرب اليوم، فإن استعادة خصوبة هذه الأراضي تتطلب سنوات طويلة وجهوداً مكلفة وهندسة زراعية متقدمة.

الخط الأصفر.. مصادرة مقنعة

بعد عامين من العدوان والتجريف، انتقلت «إسرائيل» إلى مرحلة جديدة فيما بات يعرف بترسيم «الخط الأصفر»، وهو شريط يمتد على طول حدود غزة الشرقية والشمالية، ويُمنع على الفلسطينيين تجاوزه أو الاقتراب منه، عملياً، يعني ذلك مصادرة آلاف الدونمات من أخصب الأراضي الزراعية في المناطق الحدودية مثل بيت لاهيا، وبيت حانون، وخان يونس ورفح.

رغم الادعاء «الإسرائيلي» بأن المنطقة إجراء أمني مؤقت، فإن تجارب سابقة تثبت أن هذه المناطق العازلة تتحول غالباً إلى واقع دائم، يرسخ السيطرة «الإسرائيلية» ويفرغ غزة من عمقها الزراعي ويعيد رسم خريطتها الاجتماعية والاقتصادية.

الأرض التي حمت غزة

قبل الحرب، كانت غزة تمتلك نحو 117 كم² من الأراضي الزراعية، تؤمن 44% من احتياجاتها الغذائية وتوفر آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتصدر منتجات بقيمة تصل إلى 30 مليون دولار سنوياً.

لكن اليوم، تحولت مساحات شاسعة من هذه الأراضي إلى ساحات رماد، فيما حرم آلاف المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، وبات الخط الأصفر رمزاً لأوسع عملية تجريف غذائي وديموغرافي تشهدها غزة منذ عقود.

 

خالد أبو عامر

عن mohamed

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

جميع الحقوق محفوطة للاعلامي احمد بن قطاف 2009 .. 2025