

في كل حي، هناك وجه لا يُنسى… صوت مألوف، أو هيئة تترسّخ في ذاكرة الطفولة.
وفي حي لومامين العريق ببوسعادة، كان ذلك الوجه هو مولاي عبد القادر لعيفاوي، رجل بسيط عاش الحياة بطريقته الخاصة، ومضى وترك الأثر الطيّب الذي لا يُمحى.
نواصل اليوم جولتنا في سلسلة شخصيات من بلادي، ونحط الرحال عند زقاقٍ تفوح منه رائحة الزمن الجميل، ونقف مع سيرة إنسانٍ صامتٍ في كلامه، عميقٍ في رؤيته، لا يُشبه إلا نفسه.


كنا نسكن في الزقاق الذي يسبق زقاقه، وكنّا نجلس معه ونتحدث كما يتحدث الأبناء مع حكيم الحي… رجلٌ عاش بيننا، ومضى، لكنه ترك أثرًا لا يُنسى.
كان مولاي عبد القادر لعيفاوي أحد الوجوه المألوفة في حي لومامين العريق بمدينة بوسعادة، أصله من منطقة السلامات بعين الحجل، لكنه اختار أن يعيش حياته في بوسعادة، تحديدًا في الشارع الرئيسي للحي، حيث تتقاطع الأزقة المغلقة التي تميّز عمران الحي، وتُشكّل عالمًا خاصًا بالسكّان، بكل بساطته وتفاصيله.

عرفه الجميع بـ”مولاي”، رجل بسيط لكن فريد، له حمار مزين بالشناشن ومصبوغ بالأحمر، كان يُثير إعجاب الأطفال والكبار، ويُثير التساؤلات أيضًا.
ثم عُرف لاحقًا بدراجته الهوائية التى نجد فيها كل اشياء التخييم من مذياع وادوات أخرى التي صارت بصمته في شوارع المدينة.
في جلسته، كنت ترى الهدوء، وتسمع الحكمة. كان هادئًا، عاقلًا، لا يتكلّم كثيرًا، لكنه يقول الشيء الكثير في القليل. بعض أطفال الحي كانوا يخافونه من مظهره، لكنه كان رجلًا نبيلًا، إنسانًا نادرًا يحمل تجارب وقراءات للحياة لا تجدها في الكتب.

اليوم، حين نمر من حي لومامين، نشعر أن روح مولاي ما زالت هناك… في الزقاق، في الذكرى، في الدراجة المركونة، وفي كل من عرفه وابتسم له يومًا.
نسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة، ويسكنه فسيح جناته، ويرحم والدَيه، وكل موتى المسلمين.