تكشف تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الأخيرة عن «إسرائيل الكبرى» عن أبعاد توسعية خطيرة للمشروع الصهيوني، تتجاوز الأراضي الفلسطينية المحتلة لتشمل أجزاء واسعة من الدول العربية.
هذه الرؤية لا تقتصر على أهداف سياسية قصيرة المدى، بل تمثل إستراتيجية طويلة المدى قائمة على معتقدات دينية وأوهام تاريخية، تسعى لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بالقوة وتهديد الأمن والاستقرار الإقليمي.
ما يجعل هذه التصريحات أكثر خطورة هو إعلان نتنياهو صراحة ارتباطه بمهمة «تاريخية وروحية» لتحقيق هذه الرؤية، وهو ما يستدعي فهماً دقيقاً لجذور المشروع وأطماعه، وكذلك ضرورة التحرك العربي والدولي لمواجهته قبل فوات الأوان.
في 13 أغسطس الجاري، أعلن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة متلفزة مع قناة «آي 24» العبرية، ارتباطه الشديد بما يُعرف بـ«رؤية إسرائيل الكبرى»، القائمة على التوسع واحتلال مزيد من الأراضي العربية وتهجير الفلسطينيين، وفق موقع «تايمز أوف إسرائيل»، وقال نتنياهو: «أنا في مهمة أجيال.. لديَّ شعور بالمهمة تاريخيًا وروحيًا»، مؤكداً ارتباطه بهذه الرؤية التوسعية.
جذور وأطماع «إسرائيل الكبرى»
وتشير «إسرائيل الكبرى»، بحسب المزاعم «الإسرائيلية»، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى أجزاء من الأردن ولبنان وسورية ومصر، ويعود استخدام هذه العبارة إلى ما بعد حرب عام 1967م، لتشمل «إسرائيل» ومناطق القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية.
ولم يقتصر الأمر على نتنياهو، فقد سبق لوزير المالية الصهيوني سموتريتش أن دعا، في مقابلات سابقة، إلى توسع «إسرائيل» حتى العاصمة السورية دمشق وضم الضفة الشرقية لنهر الأردن.
كما أثار عرض خريطة مزعومة لـ«أرض إسرائيل الكبرى» في باريس عام 2023م غضبًا واسعًا، إذ تضمنت كامل فلسطين التاريخية والأردن.
وتستند هذه الأطماع إلى معتقدات دينية تقول: إن الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل جنوبًا إلى نهر الفرات شرقًا، وهي نصوص عززتها الحركة الصهيونية منذ بدايتها قبل أكثر من 120 عامًا، بدءًا بمؤسسها ثيودور هيرتزل، الذي زعم في عام 1904م، أن حدود دولة «إسرائيل» تمتد من النيل إلى الفرات.
أخطار المشروع التوسعي
من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، د. عبدالله الشايجي، أن تصريحات نتنياهو كشفت بوضوح النوايا والأهداف التوسعية للصهيونية التلمودية، مشيرًا إلى أن هذا الحلم يمتد من النيل إلى الفرات ويشمل الأراضي الفلسطينية وقطاعات من الأردن وسيناء وصولًا إلى العراق وأجزاء من الجزيرة العربية.
وأضاف الشايجي، في مقطع فيديو عبر «يوتيوب»، أن الاحتلال يستغل الصمت العربي والدعم الدولي لتحقيق هذا التمدد، مؤكدًا أن أي مفاوضات مع النظام «الإسرائيلي» الحالي عبثية، وأن نتنياهو وحكومته يسعون لتوسيع الحرب وفرض السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية.
وأشار الشايجي إلى أن ردود الفعل العربية والدولية كانت متأخرة وغير كافية، وغالبها اقتصر على بيانات تنديد واستنكار، بينما المطلوب إجراءات عملية مثل حشد الرأي العام الدولي، وسحب السفراء، وإيقاف التبادل التجاري، وعقد قمة عربية وإسلامية لمواجهة المخطط «الإسرائيلي».
وحذر من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى فقدان القدس والمسجد الأقصى، وتمدد الاحتلال إلى دول عربية مجاورة، طالما أن هناك دعمًا دوليًا من بعض القوى الكبرى.
بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إياد القرا أن تصريحات نتنياهو تظهر أن الحرب ليست مجرد رد فعل على أحداث 7 أكتوبر، بل حرب دينية تلمودية تهدف لفرض يهودية المنطقة، وأن أي انتصار في غزة سيكون محطة لتنفيذ المشروع التوسعي.
كما أشار الكاتب سعيد الحاج إلى أن حديث نتنياهو ليس مجرد إعادة لمقولات دينية قديمة، بل يعكس تحولات جيوسياسية وإستراتيجية تجعل تحقيق هذا المشروع ممكنًا على المدى الطويل، مشددًا على أن الاحتلال يسعى إلى تنفيذ خططه وفق مراحل محددة؛ ما يستدعي من العرب التحرك بشكل جماعي وفوري لمواجهة هذه المخططات.
سيف باكير