تُعد أول طاحونة (رحى) في مدينة بوسعادة إحدى المعالم الاقتصادية والتاريخية القديمة التي شهدت تحولات كبيرة منذ تأسيسها مطلع القرن العشرين.
أسسها الأخوان محمد وأحمد بسكر، وكان لها دور حيوي في الحياة اليومية لسكان المدينة، حيث شكلت محطة أساسية لطحن الحبوب وتوفير مادة الدقيق، في وقت لم تكن تتوفر فيه الوسائل الصناعية الحديثة.
مكيدة.. ونفي إلى كايان
تحمل هذه الرحى في طياتها قصة مثيرة ومؤلمة في آنٍ واحد، فقد كانت مكانًا شهد تدبير مكيدة ضد ابن رفان بن محمد بسكر، أحد أفراد العائلة المؤسسة. وعلى إثر هذه المكيدة، تم نفيه سنة 1913 إلى جزيرة غويانا الفرنسية (Guyane)، وبالضبط إلى سجن كايان الشهير الذي كانت تنقل إليه النخب السياسية والمعارضون للاستعمار.
بيع بالمزاد.. وتحوّل في الملكية
وفي سنة 1925، تم بيع الرحى بالمزاد العلني، حيث اشتراها يهوديان من المدينة، ثم انتقلت ملكيتها لاحقًا إلى الحاج بلعمري رحمه الله، الذي أعاد لها النشاط وأعاد ربطها بالذاكرة الجماعية لسكان بوسعادة.
من “رحى بسكر” إلى “رحى بلعمري”
وبمرور الوقت، أصبح سكان بوسعادة يُطلقون عليها اسم “رحى بلعمري” نسبة إلى مالكها الأخير، وظل هذا الاسم متداولاً إلى يومنا هذا، رغم أن الجيل الجديد يجهل أحيانًا قصتها الأصلية وجذورها العائلية والتاريخية العميقة.
وتبقى هذه الرحى شاهدًا على مرحلة منسية من تاريخ بوسعادة، تستحق التوثيق والاهتمام ضمن مشاريع المحافظة على الذاكرة المحلية.